الفنان السوري تركي بك: التـــــراث أســـــاس الفــــــن!
ملحق ثقافي
الثلاثاء 6/9/2005
حور: أحمد عساف
قادم من الفرات السوري إلى ياسمين دمشق.. ومن..ومن إلى (فرانكفورت) تركي بك الفنان والإنسان الأصيل..
الذي أنجز العديد وقدم العديد وحقق ما حقق من إبداعات فنية متميزة لكنه وللآن يعتبر ذاته ابن الحياة.. وأنه يدين لها بالكثير لعلها ترد له بعض ما قدمه لها.. تركي بك هذا الفنان الجميل والمدهش واللافت والطيب كان لملحق الثورة معه هذا الحوار: ❊ معروف لدى الجميع أنت لكن ثمة أجيال أتت متأخرا على المشهد الفني.. يهمها أن تعرف كيف بدأت؟ ❊❊ بداية نترحم على الزملاء أصدقائي سعيد مخلوف- فاتح المدرس- نصير شورى-محمود حماد- رشاد قصيباتي- مصطفى رشاد- لؤي كيالي- مصطفى الحلاج. والبقية الذين لم تسعفني ذاكرتي رحمها الله فقد كان لهم باع طويل في بناء الصرح الفني بهذا الوطن الجميل. ولدت في مدينة على الفرات في محافظة دير الزور على شاطئها الجميل (الفرات):مهد أقدم الحضارات السورية، كانت الحياة في تقاليدها التراثية تجبر الانسان أن يتمعن في أن يكون تراثيا.‏
نلت الشهادة المتوسطة في دير الزور ومن ثم أكملت دراستي الثانوية الصناعية في حلب ثم ذهبت إلى تركيا في العام 2691 مكثت قليلا هناك ثم يممت وجهي صوب ألمانيا.. الفن ليس أكلة تأكلها اليوم لتتقنها في الغد، في ألمانيا درست في: WERICKUNSOHULE HICD CSHTEIM وأنا عضو نقابة الفنون الجميلة سورية واتحاد التشكيليين العرب وعضو في اتحاد الفنانين الألمان في فرانكفورت حيث أقيم هناك ولي عدة نشاطات فنية هناك. ❊ وماذا فعلت هناك قبل قدومك إلى وطنك الأم سورية؟ ❊❊ قبل مجيئي إلى بلدي الأم سورية أقمت معرضا فنيا في المسرح العالمي في فرانكفورت وبما أنه مسرح له صالة للعرض وصالة للمسرح طلب مني أن أقدم شيئا للمسرح جمعت بعض أصدقائي من عرب وأتراك وإيرانيين وأقمنا حفلة موسيقية وشرحت لهم عن الموسيقى الشرقية لأن الفن بوتقة تحوي كل أطياف الفن وقدمت الحفلة وعزفت على الناي، استمر العرض لأكثر من شهر. ❊ نتلمس في لوحاتك ذاك المناخ الصوفي؟ ❊❊ ليست الصوفية فقط بل ثمة طقوس أخرى سوريا وبلاد ما بين النهرين ذلك المزمار العجيب الساحر بانغامه التي انبعثت من أناشيده الخالد معلناً للعالم أنه المكان الأول الذي ساهم ببناء أعظم الحضارات الإنسانية في عصره لا يخلو متحفاً في أوروبا أو في العالم إلا ويفتخر بما لديه من ماصنعه الفنان السوري العربي وما زالت حتى يومنا هذا البعثات الأثرية منتشرة في ربوعة تنقب عن ما قدمه فنان هذه الأرض المقدسة سوريا ذلك الجسر العظيم الذي أغدق بالعطاء الفكري والفني والعلمي للبشرية ومهما كتب الإنسان عن هذه الحقائق فهو قليل قليل جداً يا صديقي أحمد بذرة الفن لا تعرف الموت بل تختزن. جيناتها يوم القحط منتظرة بزوغ فجر كولادة المرتقبة أن الغرب استفاد مماساهمت به الحضارة العربية الإسلامية بمسيرته الحديثة وشبعنا باشواط بعيدة ومع تقدم وسائل الاتصال الحديثة أصبح يغزو العالم النامي ويبعده عن تراثه وبأساليب شتى ومع الأسف: (ضاحكاً) لا يصمد أمامها إلا من أحب تراثه أليس من المعيب بأن تحصل على دكتوراه في الأدب العربي من دولة ما في الغرب؟ فهل يفقه غيرك في لغتك أكثر منك رحمك الله؟! ❊ هل هذا يعني أنك لا تحب الفن الغربي؟ ❊❊ أنا لا أكره الفن الغربي وأنا عضو في اتحاد الفنانين الألمان ومقيم في برانكفورت ولي عدة معارض ولكن أوروبا اتحدت في عصورها وأصبحت دولة واحدة في فنونها. نعم الفن أصبح علماً كغيره من العلوم ولا يستطيع حل معادلة بسيطة من لا يفقه الرياضيات لأن الفن المترسخ في قلب الشرق العظيم المتوهج لا تطفأه مياه العالم كلها. فالتراث ليس بالمعيب فكل أمة تفتخر تبراثها فالحديقة تكون أجمل إذا تنوعت أزهارها فخذ من تقنينات الآخر ما يفيدك في تراثك وجدد بالتراث لا تغير به وابني العصر الذي أنت فيه من خلال نظرتك للتراث فالتراث وحده يخص المتاحف. فالفن هي الشيء الوحيد الذي استطاع أن يصعد بالإنسان إلى أبعد حدود الخيال ويمده بالأفق الذي يصنع قيم الإنسان المعاصر ومن خلاله تتوضح صور ومبادىء العقائد والديانات التي توحد الإنسان البعد الحقيقي الذي تبعده عن الخوف من المجهول. علماً كان -أقصد الفن- وما زال يتصدر المدنيات التي انقرضت والتي ستأتي. صهر في بوتقته حين البدء لا يوقفه الزمان ما دامت تربته صالحة للبنيان يمد الحس بالشفافية ويعطي البصر أجمل الألوان نغماً أدباً يصنع العصر الذي هو فيه ثم يبدأ بعصر آخر يبحث دائماً عن التربة المعطاء لا يهرم في أرض. بل ينزوي على نفسه ويمد الأرض الأخرى بالعطاء. لا نستطيع إدراك الحقيقة الفنية التاريخية بدون إدراكنا وتفهمنا لفنون تلك الشعوب الأخرى نعم إن تاريخ البشرية مشبع بالزيف فمن واجب الفنان أن يكون صادقاً وأن لا نغريه نزعته العرقية حتى يتضح للحقيقة ما تستطيع انغامها الإنسانية بأن تعبر عن ألوانها ومشاعرها التي هي في الواقع جزء لا يتجزأ من تراث الإنسانية كل هذه المعومات لا تستطيع الدخول إليها إن لم تتوفر عند الفنان النية الصادقة والمعرفة والعلم النافع وإدراك ألوان الشعوب الآخر بشرط أن يحافظ الفنان على تراثه. ❊ وماذا عن التاريخ؟ ❊❊ التاريخ لا يكتبه إلا الغالب ومع ذلك هناك الكثير من الأخطاء حتى في اللقى الأثرية. لا تستطيع الدخول إلى العالمية إلا عبر محليتك..، ولكن بأبجدية مألوفة عالمياً تراثك هو جزء من التراث العالمي فلا تزدريه واحتضنه بصدق وسوف وبلا شك سيمدك بالكثير. وليس القوي من أنكر على أمة مالها من تاريخ حضاري ساهم في بناء ما توصلنا إليه في الوقت الحالي. إن القوي من يتفهم البعد الحقيقي لما أنجزته الحضارات الأخرى من جراء الحضارات المكتسبة الأخرى. ومع الأسف كل من جاء واستلم عنان الحضارات السابقة الأخرى أنكرها ونسبها له فعلى الدول المتقدمة أن تذكر الحقيقة لخير البشرية وتمد الجسور التي من خلالها تتقارب الثقافات جسوراً ليست من اسمنت وحديد. فالحديد يصدأ والإسمنت عمره الزمني قصير بل جسوراً من المحبة لأن الإنسان يجب عليه أن يكون إنساناً على هذه الكرة الأرضية الصغيرة فقد كتبت كثيراً في مجلاتنا العربية عن الفنون. التفاحة الواحدة لا تنضج إلا بعام والفن عمره عصره ينضج بعصر أو بعصرين. ❊ ما رأيك بالحركة الفنية في سوريا؟ ❊❊ الصالات تعددت وكثرت والاهتمام (لا أقولها كمن يمسح الجوخ) من قبل الدوائر المختصة بالفنون وكلية الفنون الجميلة وكادرها الفني الذي أرسلته الدولة إلى (أوروبا) أصبحت لهم خبرات عالمية يساهمون بها لبناء جيل جديد يبني المقومات الفنية فوزارة الثقافة ومساهمتها في المعارض السنوية والصحافة كلهم مشكورون على ما يقدمونه لخدمة الفن وتطوره فالنقد البناء هو الحافز على التقدم أكرر وأقول تراثك تراثك أحضنه فإنه والله سيغنيك كثيراً فالفن هو الوطن ولولا الفن لما عرفت الوطن بعد هذه المسيرة الفنية الغنية والمعطاءة.. وأنت الآن -هذا رأيي- سفيرنا الفني في ألمانيا؟ ❊ هل تعتقد أستاذ تركي أنك أنجزت مشروعك الفني وبالأحرى ماذا تخبىء لنا مستقبلاً؟ ❊❊ الحديقة والطاووس كلاهما لهم نصيف من الجمال وليس الغراب وإن لم يكن له لون خال من الجمال أقفز من اللون إلى الألوان فهناك تجد اللون. نحن عالم حين استقلت سوريا عام 6491 لم يكن لدينا كلية للفنون لوزارة المعارف من كل محافظة هناك أناس يرسلون لدراسة الفنون في إيطاليا في زمن الوحدة بيننا وبين مصر في عام 0691 افتحت كلية الفنون في عام 1991 حدث الانفصال وأرسلنا إلى المنظومة الاشتراكية فالفنون يجب أن نأخذها من الشرق من حضارتنا القريبة إلينا من الهند من الصين الموهبة الجيدة يصقلها العلم فدرب الفن طويل كلنا مازلنا مبتدئين فعسى أن نكون قد أحرزنا قليلاً من النجاح. الأدب أخذ مساراً أكثر من الفن والنحت والفن كما قلت بوتقة واحدة الفن (التصوير) منظور تراه العين والأدب مقروء والموسيقا مسموعة ولا تستطيع حاسة ما أن تأخذ وكان الأحرى فكلها موظفة لمصلحة الفن فبؤبؤ العين يبقى وإن هرم الوجه والتفاحة لا تسقط عن جذعها بعيداً وبالتالي فحضارتنا هي ملك البشرية ونحن أولى بها من غيرها ونحن أعرف بها إن درسناها ليس بالمعيب أن نأخذ الأوبرا لكن استمد من تراثك وطور بناءك فالبيتوت الخالدة هي التي بناها فنان أصبح الفن علماً مثل العلوم الأخرى يتطور فالرسم وحده لا يكفي يجب أن تتفاعل كل الأجناس الفنية الأخرى لنصل لنتيجة إبداعية جميلة. وكل عمل فني يحتاج لأربع أركان مهمة: أولاً: الخط الجميل (لون مع لون). ثانياً: اللون الجميل ثالثاً: التقنية العالية- رابعاً الفكرة وإن سقط أحد هذه الأركان سقط العمل الفني. قال جلال الدين الرومي: «أقفز من اللون إلى الألوان). تركي محمود بك -ببلوغرافيا- ولد في أيلول 9391 بدير الزور على شاطىء الفرات، سوريا. حصل على الشهادة الإعدادية بدير الزور وعلى الشهادة الثانوية بمدينة حلب. ودرس في استنابول، كما درس اللغة في هانوفر وهلدسهايم. واظب على المدارس الفنية في فانوفر وهيلدسهايم. وعمل فناناً متفرغاً في سوريا وأوروبا وشارك بعدها بمعارض في دمشق بمفرده واشترك في معارض جماعية في أمريكا الجنوبية وأوروبا. وهو عضو اتحاد الفنانين العرب. وعضواتحاد نقابة الفنون الجميلة في سوريا. وعضو اتحاد الفنانينن الألمان. وهو ممثل في متاحف دمشق الوطنية للفن الحديث ومتاحب بلغاريا والعراق واسبانيا. له أعمال في العديد من المجموعات الخاصة العربية والأوروبية والأمريكية. وهو يعيش ويعمل في دمشق وفرانكفورت على ضفاف نهر الماين Main.‏